الدكتور حسني حمدان الدسوقي
أستاذ علوم الأرض في جامعة المنصورة ـ باحث إسلامي
الحقيقة الثانية :دخان السماء والبينية وظلمة السماء
The Second Principle: Dokhanesamaa and Darkness
يقول تعالى : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم) (فصلت 11-12)
وجهان للإعجاز في الآية: تشير الآية السابقة إلى وجهين عظيمين من وجوه الإعجاز العلمي تجليا في عصر العلم. والوجهان هما إشارة القرآن إلى الأصل الدخاني للسماء والإشارة إلى تسجيل صدى قول السماوات والأرض " قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ". ويندرج تحت الآية إعجازان آخران يتعلقان بظلمة السماء وما بين السماء والأرض من خلق. وتلك الوجوه الأربعة تكون محور المبدأ الثانى الوارد في عنوان هذا المبحث: وفيما يلى تناول هذه الوجوه المعجزة من الناحية التفسيرية والعلمية .
وأبدأ بالمحور الأول:
أولاً: الأصل الدخاني للسماء:
1- مختصر تفسير الآية:
في الجلالين: استوى" قصد "إلى السماء وهي دخان" بخار مرتفع
في مختصرابن كثير: وَقَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى " ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان" وَهُوَ بُخَار الْمَاء الْمُتَصَاعِد مِنْهُ حِين خُلِقَتْ الْأَرْض". "
في القرطبي: وَفِي قَوْله تَعَالَى لَهُمَا وَجْهَانِ" قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ": أَحَدهمَا أَنَّهُ قَوْل تُكُلِّمَ بِهِ, الثَّانِي أَنَّهَا قُدْرَة مِنْهُ ظَهَرَتْ لَهُمَا فَقَامَ مَقَام الْكَلَام فِي بُلُوغ الْمُرَاد ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ
في حين أن القرآن الكريم تحدث منذ ما يزيد على 1400 سنة عن الأصل الدخاني للسماء , فإن غبار مابين النجوم لم يكتشف إلا حينما صنع الألمان أجهزة كشف الغبار. واليوم ترسم خرائط للأوساط بين الكواكب والنجوم والمجرات (شكل: 2 )
إن الأقاليم بين النجوم كتلك التي في مجرة درب التبانة لهى أبعد كل البعد من أن تكون فارغة, بل هى في الحقيقة مملوءة بالغاز والغبار والمجالات المغناطيسية والجسيمات المشحونة. وتعرف تلك المناطق بالوسط البيننجمي (interstellar medium). ويشكل الغاز 99% من ذلك الوسط , بينما يمثل الغبار ال 1% المتبقية. وتبلغ الكتلة الكلية للغاز والغبار 15% من كتلة مجرة درب اللبانة. ويمثل الأيدروجين 90% من وزن الغاز , والبقية ممثلة بغاز الهيليوم. ويظهر الغاز على شكل سحب باردة وأيدروجين مؤين. وتعد السحب المادة الخام لتكوين النجوم.
أما عن الغبار بين النجوم, فقد اكتشف العلماء أن عالمنا هو عالم ترابي ( (Our universe is a very dusty place. والغبار الكوني الحالي ليس سوى جزء متبقي من دخان السماء. وحتى الآن يحار العلماء في وصف حبيبات الغبار البيننجمي (بين النجوم). والغبار الكوني (Cosmic Dust) هو جسيمات تمثل تجمعات من جزيئات قليلة في الفضاء تصل أحجام حبيباتها إلى 1 من مائة من المليمتر. ويتميز الغبار على حسب مكان توزيعه في الفضاء؛ فهناك الغبار بين النجوم, وبين الكواكب والغبار الكوني, والغبار المحيط بالكواكب..إلخ. ويتكون الغبار من صفائح رقيقة أو جرافيت إبرى الشكل (كربون) وسليكات عصوية الشكل محاطة بماء متثلج. ولا يعرف العلماء حتى اليوم طبيعة وأصل الغبار بين النجوم.
شكل (2): غبار ما بين الكواكب (Courtesy of E.K., Münster, and Don Brownlee)
وحبيبات غبار ما بين النجوم في حالتها المثالية لا تزيد أحجامها على كسرمن الميكرون, وهي غير منتظمة الشكل وتتكون من الكربون والسليكات. وحينما يمتص الضوء بواسطة هذا الغبار تظهر مناطق كبيرة مظلمة في مجرتنا وفي المجرات الأخرى, وتسمى تلك السحب السدم السوداء مثل تلك التي تجاور سديم رأس الحصان(شكل 2). Interstellar) الإظلام
ورائع حقاً أن يقترح العالم جـ . مايو جرينبرج (J. Mayo Greenberg) نموذجاً أسماه نموذج الغبار الموحد (Unified dust model), يرى وفقاً له أن الغبار بين النجوم يعد مصدراً رئيسياً للمعلومات عن ولادة النجوم والكواكب والمذنبات. حيث تمثل سٌحٌب الغبار "السٌدٌم " بيوت حضانة نجمية, فيها تحجز حبيبات الغبار الإشعاع داخل السحب الغازية, وهذا يسهل انهيار تلك السحب وتشكيلها للنجوم. ومن الأصح أن يستخدم جرينبرج اللفظ القرآني" الدخان" بدلاً من الغبار البيننجمي (بين النجوم), خاصة أنه ذكرأن أكبر حببيبات الغبار تشبه " دخان السيجارة". وقد استنتج جرينبرج أن أصل مجرتنا درب التبانة غبار. ولن يعتبر الفلكيون بعد اليوم الغبار بين النجوم أمراً مزعجاً, بل مصدراً رئيسا للمعلومات عن ولادة النجوم والكواكب والمذنبات, وقد يكون حاملاً لدلالات عن أصل الحياة ذاتها. وهكذا تحكي لنا حبة الغبار قصة تاريخ السماء
ثانياً: صدى "أَتَيْنَا طَائِعِينَ":
كيف تكلمت السماء والأرض؟ تأتى الإجابة على لسان عالم الفلك Mark Whittle في جامعة فرجينيا. الذي قام بتحليل إشعاع خلفية الكون(Cosmic Microwave Background radiation (CMB) التي ولدت في ال 400,000 سنة الأولى في عمر الكون بعد حادث "الانفجار الأعظم". يقول هذا العالم أنه مندهش من أنه لم يصل أحد من قبله إلى كشف السر الذي توصل إليه. وقد توصل مارك هويتل إلى أن آخر سجلات التموجات (Ripples) المصاحبة لإشعاع خلفية الكون التي تأتى مباشرة بعد التضخم الأعظم (Big Inflation) تشبه الأمواج الصوتية المنسابة عبر الكون. إن هذه التموجات (Subtle Ripples) تعكس تأرجحات في كثافة مادة الكون الأولية ناشئة من أمواج صوتية, وقد بلغ عرض تلك الموجات 30,000 سنة ضوئية, و55 أوكتاف تحت ما يمكن للبشر سماعه..
وحينما تم استيضاح هذه الموجات أمكن سماع ضجيج مخاض الكون (the cry from the birth of the cosmos can be heard)
. وأنا بدوري أقول إن هذا الصراخ ما هو إلا الصوت المصاحب لفتق الرتق وصدى قول السماوات والأرض بالطاعة لأمر الله
(( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) . وهذا هو النص باللغة الإنجليزية الذي ترجم فحواه.
Mark Whittle of the University of Virginia has analyzed the so-called cosmic background radiation that was born 400,000 years after the Big Bang. He said: "I was a little surprised that someone had not done it before. He took the latest data about the Cosmic Microwave Background radiation (CMB) which comes from an era just after the Big Bang. Ripples in the radiation are like sound waves bouncing through the cosmos. Over the first million years the music of the cosmos changed from a bright major chord to a somber minor one. They show ripples in the CMB which are subtle variations in the density of matter which can, in one sense, be thought of as sound waves. These cosmic sound waves are 30,000 light-years wide and are 55 octaves below what humans can hear. But when they are shifted to regions of the audible spectrum, the cry from the birth of the cosmos can be heard.
ثالثاً: المادة المعتمة(Dark matter):
ظلمات الكون: وردت كلمة "ظلمات" في القرآن الكريم 23 مرة. وتشير الكلمة إلى معان معنوية متعلقة بالضلالة في كثير من المواضع, كما تشير إلى معان حسية ترتبط بظلمات السماء, وظلمات الأرض, وظلمات البحر اللجي, وظلمات البر والبحر, وظلمات متراكبة, وظلمات بطن الحوت الذي التقم نبي الله يونس عليه السلام, وظلمات الخلق في بطون الأمهات. وحينما يقترن ذكر الظلمات والنور نجد أن الظلمات تأتى بصيغة الجمع بينما يأتي النور بصيغة الإفراد, وأيضا تتقدم الظلمات على النور. ويعنينا هنا الأيات التي تتحدث عن ظلمات الكون والتي يمكن ذكرها على النحو الآتي:
1- الظلمات على إطلاقها في قوله تعالى:
((الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ)) (الأنعام:1).
2- ظلمات من السحاب في قوله تعالى:
((أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)) (البقرة:29).
3-ظلمات الأرض في قوله تعالى:
((وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(( (الأنعام:59).
4- ظلمات البر والبحر كما في قوله تعالى:
((أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) (النمل:63).
5- ظلمات البحر في قوله تعالى:
((أوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)) (النور:40).
المعالجة العلمية: تسبح الطيور في جو السماء, وتسبح كائنات البحار في الماء, وتسبح كائنات الأرض معها حول الشمس .وتسبح جميع أجرام السماء في وسط لا نبصره. ويسود الاعتقاد بين علماء الفلك بأن ذلك الوسط يتكون من مادة مرئية, وطاقة ومادة غريبتين أطلقوا عليهما الطاقة السوداء أو المعتمة والمادة السوداء أو المعتمة. هي شىء ما هناك في مكان ما. ولو استطعنا رؤية المادة المعتمة لبدت مجرة درب اللبانة مكانا مختلفا تماماً؛ حيث يبدو قرصها ملتفاً بضباب كثيف من جسيمات تلك المادة المعتمة.
ومن العجيب أن علماء الفلك يؤكدون على أن النجوم ومجراتها وأسوارها الأعظمية وأجرام السماء على اختلافها لا تمثل سوى 1% من كتلة الكون. وأن الغاز الكوني مع أشكال المادة العادية تمثل أقل من 5%. ومعرفة طبيعة كتلة الكون المتبقية والتي تبلغ 95 % معلق على رصد تلك المادة المعتمة. ويطلق العلماء على الجسيم المكون لتلك المادة النيوترالينوNeutralino. وليس ذلك الجسيم أبيبا (بروتونا) ولا كهربا (إلكترونا) ولا المتعادل (النيترون) ولا الجسيم الخفيف الحر الطليق (النيوترينو). ولكن ذلك "الساحر الأسود" ما هو إلا جسيم بارد ثقيل مستقر, لا شحنة له, إنه جسيم شديد التحفظ عزوف عن التصادم, ومن ثم تسبح في مادته كل الأجرام. والنيوترالينوهات متجانسة فائقة التناظر.
وتسبح الشمس في المادة المعتمة بسرعة 220 كيلومتر في الثانية قاطرة معها أفراد أسرتها كريشة في مهب الريح. وهذه المادة وفيرة جداً في الكون؛ حتى أن العلماء يقدرون بليوناً من جسيماتها متدفقاً عبر كل متر مربع في الثانية الواحدة. ولن نجد تعبيراً أدق من وصف القرآن لها [إنها الوسط الذي يسبح فيه كل شىء ((كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ))(الأنبياء:33) . ولم يكن الوصف القرآني سابقاً على اكتشاف تلك المادة فقط؛ بل مخبراً بوجودها, علماً بأن العلماء لم يتمكنوا من رصدها حتى هذه اللحظة. وسبحانه وتعالى يقسم بما يشاء, سواء أبصرناه أو لم نبصره, يقول تعالى: ( فلا أفسم بما تبصرون * وما لا تبصرون* إنه لقول رسول كريم)(الحاقة:38-40).
كيف سترصد الماد المعتمة؟ لم تر تلك المادة حتى الآن لسببين؛ لأنه لم يكتشف أثرها في المادة المعتمة, أو بسبب الضجيج (التشويش) الناجم عن النشاط الإشعاعي الطبيعى والأشعة الكونية. ويعتمد رصد المادة المعتمة على رصد النبضات الضوئية والحرارية الناتجة من اصطدام مكوناتها مع أنوية المادة العادية. ويترقب العلماء الكشف عن التأثير الضوئي والحراري الناتج بفعل مرور جسيمات المادة المعتمة في المادة العادية. ويتم ذلك عن طريق كشافات التلألؤ الضوئي والكشافات فائقة التبريد. وللتغلب على ضجيج الأشعة الكونية المربكة؛ توضع الكشافات في أماكن عميقة تحت سطح الأرض بعد تغليفها بدروع خاصة, بجانب تنقية مادة الكشافات لخفض التلوث الإشعاعي.
وإنني ألمح الكثير من الإشارات القرآنية تشير إلى وجود تلك المادة المعتمة, منها:
1- إشارة القرآن إلى سباحة الأجرام , حيث أن السباحة تحتاج إلى وسط يسبح فيه. ((كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) (الأنبياء:33).
2- إشارة القرآن إلى خلق مابين السماوات والأرض في قرابة عشرين موضعاً. وأحسب أن أسرار ((وما بينهما)) التي ترد في القرآن في معرض خلق السماوات ستكون الشغل الشاغل لعلماء الفلك والكونيات في الخمسين سنة المقبلة.
3- القسم القرآني بما لا نبصر: ((َ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ *وَمَا لَا تُبْصِرُونَ)) (الحاقة:38-39).
إن كشف المادة السوداء يعتمد على التأثير الناتج من لقاء المادة المظلمة مع المادة العادية بعد إزالة الضجيج الكوني, ويا حبذا لو كان الملتقى تحت الثرى. وأحسب والله أعلم أن اللقاء قد حدث فعلاً في أقدس مكانين على الأرض عند الكعبة المشرفة بمكة أم القرى, وفي الروضة الشريفة عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنور. فقد أظهرت الصور الحديثة للأرض التي التقطتها وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" حيث بدت الأرض مظلمة إلا في بقعتين منيرتين هما الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف. إن بعض جسيمات نور جسد الرسول صلى الله عليه وسلم المسجى تحت الثرى في قبره ربما قد تآزرت مع جسيمات المادة المعتمة فنتج عنها ومضات ضوئية أضاءت صورة الأرض المظلمة.
رابعاً: ظلمة الكون:
أولاً-السبق القرآني: تشير آيات القرآن إلى ظاهرة ظلام الكون التي لم يكتشفها العلم إلا مع غزو الإنسان للفضاء في نهاية الستينات من القرن العشرين. وتلك الآيات هى قول الحق تعالى:
1-(( فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(( (الأنعام:96).
2-((وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ *لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ)) (الحجر:14-15).
3-((وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ)) (يس:37).
4- ((أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا *رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا *وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا)) (النازعات:27-29).
5- ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)) (يونس:67 ).
ثانيا- الإعجاز العلمي القرآني في ظلمة الكون أصابت الدهشة رواد الفضاء من عدم الإبصار في أجواز الفضاء؛ وذلك بسبب الظلام الذي يحيط بجميع الأجرام السماوية من نجوم وكواكب وأقمار تسبح وسط هذا الظلام الشامل. وهذا مشهد جديد في السماء لم يألفه الإنسان في جو الأرض. وحينما انطلق رواد الفضاء في غلاف الأرض المضيء, ماهي إلا ثوان معدودات حينما اخترقوا الفضاء حتى وجدوا تلك القشرة المنيرة من الغلاف الجوي تتحول تدريجيا من اللون الأزرق الفاتح لقبة السماء إلى اللون الفيروزي ثم الأزرق الغامق ثم البنفسجي وتصبح حالكة السواد على ارتفاع حوالي مائتي كيلومتر من سطح البحر. ويحدث هذا مع وجود الشمس التي تمثل السراج الوهاج. وهنا يتبين وجه الإعجاز في قوله تعالى: ((لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا)) حيث لا تبصر العين في وجود الظلام الحالك. ثم إن الجزء المضيء من غلاف الأرض والذي لا يتعدى المائتي كيلومتر لو قسم على المسافة بيننا وبين الشمس والمقدرة بحوالي 150 مليون كيلومتر لم تكن نسبة الجزء المنير إلى الآخر المظلم شيئا مذكوراً. ويعبر عن ذلك بالفعل(نسلخ) في قوله تعالى: -((وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ)). حقا إن الغلاف المضيء للأرض سلخة في ظلام الكون. ولكن كيف يخرج النهار المضيء من ليل السماء الغطش. والحقيقة أن ضوء الشمس يسافر في الفضاء دون أن يرى لانعدام التبعثر أو التشتت الضوئي, نظراً لتخلخل الجو وعدم احتوائه على الذرات الكافية لإحداث الانعكاس والتشتت للأشعة بالدرجة التي تجعلنا ندرك النور غير المباشر الذي نشعر به فقط في جو الأرض. وهنا يتجلى إعجاز قرآني آخر في ((وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)) في قوله تعالى- ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ))؛ حيث يمثل الذر عيون النهار التي تبصر ضوء الشمس.
خامساً -البينية في خلق السماوات والأرض:
أولاً: البينية في القرآن:
خلق الله السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام. وفي ثلاثة آيات يذكر (( وما بينهما )) في قوله تعالى: (( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) ( الفرقان : 59 ) وقوله تعالى (( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) ( السجدة : 4 ) وقوله تعالى (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ )) ( ق : 38 ). وقد ذكرت السماء مفردة في موضعين (( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ )) ( الأنبياء : 16 )، وقوله أيضاً: (( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا )) ( ص : 27). ويضاف موضع ثالث يحدد فيه موضع السحاب في قوله تعالى .. وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ )) ( البقرة : 164 ).
كلمتان في القرآن الكريم ستكونان هما الشغل الشاغل لعلماء الكون والفلك في العقود الأولى من القرن الحادى والعشرين. هاتان الكلمتان هما" وما بينهما " اللتان تذكران في معرض حديث القرآن عن خلق السماوات.
ثانياً- البينية في العلم:
ماذا تعني البينية السابقة في ضوء العلم الحديث؟ قد تعني أولاً طبقات الغلاف الجوي الممتد من سطح الأرض حتى الفضاء الخارجي التي سبق ذكرها، وهذا صحيح. وقد تعني غلاف الكواكب الأخرى غير كوكب الأرض. والمثير حقاً أن البينية أشمل وأعم وتعني الغلاف البينجمي وغلاف المجرات وأى غلاف في السماء. فلم يعد الفراغ بين النجوم والمجرات فارغا، بل تميز بوجود غلاف بينجمي وغلاف مجري يشبهان الغلاف الجوي للأرض في درجة تعقيده.
ومنذ عدة سنوات فقط صار معروفاً أن هناك غلافاً جوياً رقيقاً جداً يدعى الوسط البينجمي يغلف مجرتنا ويملأ الفضاء بين بلايين النجوم (شكل3). ويتكون هذا الغلاف من الهيدروجين على هيئة ذرات وجزيئات وبلازما من أيونات الهيدروجين.
شكل (3 ): دورة الغاز في المجرة (عن مايو جرينبرج. أسرار الغبار النجمي. مجلة العلوم-المجلد 17- العددان 8/9- 2001_ ص.60).
وللغاز بين النجوم دورة تشبه دورة الماء في الطبيعة حيث يتكاثف الغاز بين النجوم (البينجمي) فتتكون النجوم التي بدورها تتبخر. وتتبادل المجرات المواد مع الفضاء بين المجرات فتفقد المجرات جزء من كتلتها في الوسط البينجمي، وفي الوقت نفسه يغذي الوسط المجرات ( شكل:3). وهكذا أصبح الوسط البينجمي يحظى بأهمية تفوق ما كان يظنه العلماء في الماضي وأدركوا أنه ممتلئ بنوافير جبارة من الغاز الحار، وفقاقيع هائلة تحدثها النجوم المتفجرة. ويصل نصف قطر الفقاعة من 50 – 100 فرسخ فلكي، وتبدو الشمس ضمن فقاعة حارة، وكلما تكشفت أسرار جديدة عن الفراغ بين النجوم والمجرات تأكد العلماء أن ما بين السماوات والأرض خلق عظيم.
وهنا تلعب البينية التي أشرنا إليها دوراً إيجابياً في تكوين السماء. بمعنى أن خلق ما بين السماوات والأرض عملية مكملة ومتلازمة مع خلق السماوات والأرض, توثر إحداهما في الأخرى. ومن هنا ندرك أن خلقهما تم في ستة أيام معاً. وفي آيات يتم التركيز على خلق السماوات والأرض في ستة أيام, وفي آيات أخرى يتم التركيز على خلقهما وما بينهما في نفس الستة أيام., الأمر الذي يجزم بعظم البينية.
والفضاء الخاوي في النهاية ليس خاوياً . وما يزال الجزء الأعظم من كوننا مظلماً لا يؤخذ في الحسبان. وخلال العقد القادم، سوف تستمر الأبحاث عن المادة المظلمة وذلك من خلال تجارب حساسة تجري تحت الأرض في المقام الأول. وتلك المادة المسماة بالمادة الخفية المعتمة Black Matter, يعتقد العلماء وجودها مع أن أحدا لم يرصدها بعد، وما تزال طبيعتها لغزا، وصدق تعالى حيث يقول:" فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ " ( الحاقة : 38 - 40 ).
الحقيقة الثالثة: إتساع السماء
The Third Principle: The "Etsaessamaa
(وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (الذاريات-47)
مختصر التفسير:
مختصر تفسير ابن كثير: يَقُول تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى خَلْق الْعَالَم الْعُلْوِيّ وَالسُّفْلِيّ" وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا " أَيْ جَعَلْنَاهَا سَقْفًا مَحْفُوظًا رَفِيعًا " بِأَيْدٍ " أَيْ بِقُوَّةٍ قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالثَّوْرِيّ وَغَيْر وَاحِد " وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ " أَيْ قَدْ وَسَّعْنَا أَرْجَاءَهَا وَرَفَعْنَاهَا بِغَيْرِ عَمَد حَتَّى اِسْتَقَلَّتْ كَمَا هِيَ.
تفسير الجلالين: وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ" بِقُوَّةٍ "وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" قَادِرُونَ يُقَال : آدَ الرَّجُل يَئِيد قَوِيَ وَأَوْسَعَ الرَّجُل : صَارَ ذَا سِعَة وَقُوَّة
تفسير الطبري: في تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: وَالسَّمَاء رَفَعْنَاهَا سَقْفًا بِقُوَّةٍ. عَنِ ابْن عَبَّاس, قَوْله: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } يَقُول: بِقُوَّةٍ. عَنْ مُجَاهِد, قَوْله: { بِأَيْدٍ } قَالَ: بِقُوَّةٍ. عَنْ مَنْصُور أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } قَالَ: بِقُوَّةٍ. قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } قَالَ: بِقُوَّةٍ. عَنْ سُفْيَان {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } قَالَ: بِقُوَّةٍ. وَقَوْله: { وَإِنَّا لَمُوسِعُون} يَقُول: لَذُو سَعَة بِخَلْقِهَا وَخَلْق مَا شِئْنَا أَنْ نَخْلُقَهُ وَقُدْرَة عَلَيْهِ. قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله: { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } قَالَ: أَوْسَعَهَا جَلَّ جَلَالُهُ.
ٍ"والكون" يتمدد بسرعات هائلة, فالمجرة التي تبعد عنا بنحو 650 مليون سنة ضوئية تبتعد عنا بسرعة 15000 كم في الثانيةالواحدة ، بينما تتراجع المجرات وأشباهها (الكوازرات) المتواجدة في أطراف الكون بسرعة تصل إلى 270 ألف كم في الثانية. حقاً, إنه توسع رهيب؛ ففي أقل من ثانية تتراجع المجرات التي تقع في أطراف الكون لمسافة تعدل عشرين ألف مرة قدر قطر الأرض.
وجوه الإعجاز العلمى في آية اتساع السماء:
بالآية أربع إشارات تمثل قضايا علمية خطيرة يسعى العلماء اليوم في سبر أغوارها اليوم وفي المستقبل. وتلك الإشارات نطرحها على علماء الكون والفلك على هيئة أسئلة أربعة:
1- ما هي حقيقة السماء؟
2-- ما الذي يتسع, الكون أم الفضاء أم السماء؟
3- هل السماء بناء, وما هي معالم ذلك البناء؟
4- ما هي القوى التي تربط بناء السماء؟
وسأعالج السؤال الأول في بند مستقل. وأبدأ بتناول السؤال الثاني أولاً:
أولاً: ما الذي يتسع, الكون أم الفضاء أم السماء؟
تمثل فكرة إتساع الكون قلب علم الكسمولوجيا. ففي عام 1929 أعلن إدون هابل (Edwin Hubble), أن مشاهداته عن المجرات خارج مجرة درب اللبانة قد أظهرت أن تلك المجرات كانت تتحرك بعيداً عنا بطريقة منتظمة بسرعات تتناسب طردياً مع المسافة بيننا وبينها. وأبعد المجرات عنا هي الأسرع هروباً. وقد لاحظ هبل أن الضوء الآتي من تلك المجرات يحيد بعيداً نحو النهاية الحمراء لطيف الضوء.
ماذا يعني هذا الاتساع؟ بمعنى هل حينما نقول إن المجرة متحركة بعيداً عنا هل يشير ذلك إلى حركة طبيعية مثل حركة الأرض في مدارها؟ أم نتكلم عن امتداد الفضاء بيننا وبين المجرة؟ والذي ينجم بالتالي على هيئة مجرة متحركة بعيداً عنا. وبعبارة أكثر وضوحاً حينما نقول إن الكون في اتساع فنحن نتكلم عن إتساع الفضاء ذاته. وهنا يظهر أن هابل أصاب الحقيقة ولكنه أخطأ في الصياغة. وأن التصحيحات العصرية لنظرية اتساع الكون(Theory of Expanding Universe) تجعلها تقترب من حقيقة النص القرآني. والحقيقة المبهرة أنه حتى مع تنقيحح النظرية بالقول أن الفضاء هو الذي يتسع, فإنها ستحتاج إلى تصحيح آخرلابد أن يأتي في النهاية متفقاً مع النص القرآن الذي يشير إلى أن السماء هي التي تتسع, وحينئذ ترقى النظرية لتصبح حقيقة (شكل4-5).
ومن قبل حينما كنت أقرأ في علم تأريخ الكون وأجد اتفاق علماء الكونيات والفلك على أن أعظم اكتشاف في علم الفلك هو اتساع الكون, وأن هبل قد نال عن ذلك الإكتشاف جائزة نوبل في العلوم, كنت أسائل نفسي لماذا بعد الكشف بقرابة السبعين سنة ما زال الكشف يوصف بأنه نظرية؟ وبعد تمعني في فهم النص القرآني علمت أن السماء هي التي تتسع وليس الكون مصداقاً لقوله تعالى : (("وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْد وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)). وهنا أهتف من قلبي حقاً القرآن يقود إلى العلم الصحيح, وبكلمات أكثر تحديداً؛ على العلم أن يثبت نفسه في القرآن بمعنى أن يتوافق مع القرآن, وليس العكس إطلاقاً.
شكل (4) لا الكون ولا الفراغ يتسعان, ولكن السماء تتسع باستمرار.
ويظل السؤال حائراً: لماذا يتسع الكون بمعدل متسارع؟
شكل(5): تصور لمراحل خلق الكون.
ثانياً: هل السماءبناء؟ وما هي معالم البناء؟
1- بناء السماء: تقع النجوم في تكتلات هائلة يفصل بينها فراغ شاسع (شكل:12). وتئز النجوم حول وسط المجرة الإهليجية كما يئز النحل حول خليته ومعظم هذه النجوم عتيقة جداً، وتنتظم النجوم في مجرات تمثل لبنات بناء السماء. تبعاً لنظام التصنيف الذي طوره هابل, ويمكن تقسيم المجرات بصورة عامة إلى ثلاثة أنواع رئيسية: إهليجية، وحلزونية، وغير منتظمة .. ويعتقد أن الثقوب السوداء الفائقة تقبع تقريبا في كل مجرة إهليجية أو حلزونية ذات انتفاخ.
2-مسح السماء وأسوار السماء الأعظمية: والمجرة مع ذلك لا تمثل لعلماء الكونيات سوى الوحدة الأساسية للمادة. وثمة بلايين من المجرات تملأ الكون الذي يبلغ نصف قطره قرابة 12 بليون سنة ضوئية، وهي تتجمع في حشود يبلغ قطرها ثلاثة ملايين، أو يزيد، من السنين الضوئية، وهذه الحشود تتجمع في بناء عظيم. وقد اكتشف مسح دقيق " سوراً عظيماً" من المجرات طوله 750 مليون سنة ضوئية، وعرضه أكثر من 250 مليون سنة ضوئية، وسمكه 20 مليون سنة ضوئية. ويجري الآن تخربط سور سلون العظيم والذي يمتد لمليار سنة ضوئية (شكل:6). ويوجد في الكون عدد هائل من تلك الأسوار الأعظيمة تحوي بينها فجوات ضخمة، إنها من معالم الجزء الثانى من الآية: " الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناءاً".
شكل ( 6): خرائط كونية يظهر فيها سوران أعظميان في بناء السماء.( عن مجلة العلوم: قراءة مخططات نشوء الكون. ميشيل ستراوس_ العددان5/4-2004- ص.70).
ثالثاً: الشبكة الكونية والقسم القرآني: Cosmic Architecture: spider's web& Cosmic web
إذا أقسم الله على شيء فعلى أصحاب العقول أن يتدبروا الشيء المقسم عليه لأنه لابد أن يكون ذلك الشيء خطيراً. أما القسم هنا فهو قول الله تعالى: : " وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا "(الشمس: 5). ومن المؤكد أن حفظ الآية وتكرار ترديدها شيء عظيم, ولكن الأعظم من ذلك تدبر الآية. وقد أدهشني وأنا أكتب عن بناء السماء أمران: أولهما أنك حينما تبحث في شبكة المعلومات (Inter-net) وبمجرد أن تكتب المصطلح القرآني من مثل بناء السماء (Building Heaven) تطالعك أوراق علمية متخصصة عنوانها نفس المصطلح القرآني. ومن هنا استقر في عقلي أن قمة العلوم الكونية المكتشفة لا بد أن تستخدم مصطلحات القرآن ذات الصلة حتى وإن كان كتابها لم يعرفوا عن القرآن شيئاً.
أما الأمر الثاني فهو اكتشاف العلماء لما يسمى بالشبكة الكونية أو الشبكة العنكبوتية الكونية باعتبارها إحدى أهم معالم هندسة الكون (شكلك7).
فراغات وأسوار اكتشف بعضها اليوم, وسيكتشف غيرها غداً, وسيمعن الناس النظر في الكون بأعينهم مرة ومرتين, وسيبحر العلماء بعقولهم وعلمهم وأجهزتهم مرات ومرات على الفرغات أو على التراخى. ومن المؤكد أنهم سيجدون كوناً واسعاً متسعاً متناسقاً لا تفاوت فيه مصداقاً لقوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ) (الملك 3-4).
شكل (7):توزيع النجوم في سديم كراب
رابعاً: الاهتداء بالنجوم في مسح الزمكان :
النجم في القرآن الكريم يهتدى به، والنجم يهوي، والنجم يسجد، ومن النجم الطارق الثاقب, والخنس الكنس. وقد وردت في القرآن آيتان تشيران إلى الإهتداء بالنجم. وقد ذكر في القرآن أن النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. إلا أن ما أثار اهتمامي أن آية سورة النحل قد أشارت إلى الاهتداء بالنجوم دون أن تحدد وجهاً محدداً لتلك الهداية, حيث يقول تعالى: " وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ " ( النحل:16). وكنت على يقين من أن عدم تحديد نوع الهداية في تلك الآية لابد أن يكون وراءها سر ما. وتبين لي ذلك السر حينما علمت أن بعض أنواع النجوم يهتدى بها في مسح الزمكان (space – time ). وتستخدم المستعرات من النمط Ia كشمعات في مسح الزمان والمكان معاً. ويستعرق توهج هذه الكتلة النارية قرابة ثلاثة أسابيع تبلغ فيها سطوعها الأعظم, ثم يخبو هذا السطوع خلال شهر. ويمكن من مسح رقعة السماء بآلة التصوير الشاملة الضخمة (Big Through Camera) بصفة منتظمة للعثور على مستعر أعظم.
والآن أرجو منك تأمل آخر سطر في الفقرة التالية التي أنقلها حرفياً من المجلد 15 العدد 11/ نوفمبر 1999 من مجلة أمريكا للعلوم مع تدبر النص القرآني:" وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ " ( النحل: 16) قبل زمن طويل (يقدر بنحو خمسة بلايين سنة)، وفي مجرة قََصِيّة (يفصلها عنا 2000 ميجا بارسك*)، انفجر نجم ميت منذ أمد بعيد، مصدراً وميضاً أسطع من ضوء بليون شمس. وقد انتشر ضوؤه, وخلال عشر دقائق، في إحدى الليالي المظلمة من عام 1997, حط بضع مئات من الفوتونات التي انطلقت من هذا المستعر الأعظم (Supernovaٍٍ على مرآة مقراب (تلسكوب) في جمهورية تشيلي وعندئذ ولد حاسوب في الرصد صورة ضوئية ضعيفة على شاشة. ومع أن النظر إلى هذه الرقعة الباهتة لم يكن شيئاً مثيراً للإعجاب, فقد كان منظرها بالنسبة إلينا في منتهى الإثارة إذ إنها مثلت لنا منارة جديدة نهتدي بها في مسح الزمان والمكان(الزمكان).
سادساً: الأيدي وقوى بناء السماء:
ويقول تعالى: " اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ " ( الرعد : 2 ) .. ويقول أيضاً: " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ " ( لقمان : 10 ). وللمفسرين في قوله " بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا " قولان: أحدهما أنها مرفوعة بغير عمد ترونها. والثاني: لها عمد ولكنا لا نراها. والحقيقة أن السماوات ممسوكة ، وأن الذي يمسكها هو الله " وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " ( الحج : 65 ). يقول تعالى: ((إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً)) (فاطر: 41).
وعلماء الكون والفلك والرياضيات يبحثون عن الميزان الذي يوحد ويربط القوى الأربع المعروفة في كوننا. وتلك القوى هي:
1- القوى الكهرومغناطيسية التي تربط الذرات بعضها ببعض مثل التي تربط ذرات الأكسجين بذرات الهيدروجين ليتكون الماء.
2- القوى النووية الضعيفة التي تفكك وتحلل الجسيمات الأولية داخل الذرة، والمسؤولة عن التحلل الإشعاعي الذي يمد الأرض بالحرارة التي تحفظها من التجمد.
3- القوى النووية الشديدة التي تربط الجسيمات من مثل البروتونات والنيترونات والكواركات داخل النواة.
4- القوى التثاقلية. والقوى الأخيرة أمرها عجيب؛ فهي التي تمسك الكون على الرغم من ضعفها حيث تبلغ 10-39 ( واحد مقسوماً على عشرة أمامها 39 صفراً) من القوة النووية. ويسعى علماء الأرض من أهل التخصص, إلى إيجاد معادلة توحد تلك القوى.
ويسعى العلماء للحصول على نظرية توصف توحيد القوى؛ وبالتالي توصيف القوى الموحدة السائدة قبل فتق الرتق مباشرة؛ تلك اللحظة التي قال الله فيها للسماوات والأرض كونا فكانتاً. وفي حالة توحيد القوى في المستقبل سيطرح هذا السؤال نفسه بشدة: من كان في الأصل وراء ذلك التوحيد؟ يأتينا الجواب في قوله تعالى:" بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ. يقول الأستاذ مارتن ريس ( Martin Rees ) حامل اللقب الشرفي (فلكي ملكي ) " فقد يكتشف الفيزيائيون ذات يوم نظرية موحدة تحكم الواقع الفيزيائي بكامله، غير أنهم لن يكونوا قادرين على الإطلاق على إخبارنا عن الشيء الذي ينفخ الروح في معادلاتهم، وما الذي يجعلها أمراً واقعاً في كون حقيقي".( 2 )
الحقيقة الرابعة: مراحل تطور خلق الكون في القرآن الكريم
The Fourth Principle: Consequence of Cosmos Development:
آيات بينات:
يقول تعالى: ((قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِين* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )) (فصلت9-12)
يمثل تحديد عمر الكون حجر الزاوية في علم التأريخ الكوني(الكسمولوجيا:Cosmology), وهو في الحقيقة معضلة كبرى تثير خيال العلماء والفلاسفة على حد سواء. ويحدد عمر الكون باستخدام المداخل الرياضية, والفيزياء النظرية والفلكية. وتشير الأيات إلى ثلاث مراحل لا رابعة لهن:
أولاً- مرحلة خلق الأرض في يومين.
ثانياً- مرحلة جعل الرواسي والبركة في الأرض وتقدير أقواتها في يومين.
ثالثاً- مرحلة قضاء سبع سماوات من الدخان في يومين.
ووفقا للآيات السابقات فإن مراحل خلق السماوات والأرض ثلاثة متساوية في الزمن, كل مرحلة استغرقت يومين. ومرحلة ابتداء خلق الأرض من العدم, وأيضاً مرحلة تسوية السماوات السبع لا يمكن للعلماء رؤية شواهدهما مباشرة, وهذا شيء صعب حقيقة وليس يسيرا. ولكن رب العالمين قد ترك في الأرض علامات تدل على مرحلة من المراحل الثلاثة السابق ذكرها وهي التي أشار إليها القرآن في قوله تعالى: (( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ)). وعلم تلك المرحلة يعرفه علماء الجيولوجيا بكثير من التفصيل. وقد بدأت تلك المرحلة منذ بدأ تكوين أقدم الرواسي أى جبال الأرض, وما زالت تلك المرحلة مستمرة حتى اليوم. إنها ببساطة شديدة تستغرق فترة التاريخ الجيولوجى للأرض منذ أن تصلبت قشرتها حتى يومنا هذا.
والفكرة في تقدير عمر الأرض ببساطة تعتمد على معرفة تقدير عمر أقدم الرواسى والتي تمثل مرحلة من المراحل المتساوية الثلاثة. ومن ثم نضرب الرقم المقدر في ثلاثة لنحصل على عمر الكون. ومن المعروف لدى المتخصصين في علم الأرض أن الرواسي تحتوى على أقدم صخور قشرة الأرض, وأنها تمثل الأساس الذي أقيمت عليه عجائب الأرض. وقد استخدمت حديثاً بلورات معدن الزيركون التي جمعت من غرب استراليا في تقدير أقدم أعمار صخور الرواسى. وتم تقدير هذا العمر ب 4,4 بليون سنة. وبناء على ذلك فإن أقل عمر للأرض هو 4.4X3==13.2بليون سنة+عمر فترة ما قبل التاريخ الجيولوجي والمقدرة بحوالى 0.8 بليون سنة.
إذن عمر الكون في ضوء عمر أقدم الرواسي المقدرة اليوم=13.2+3×0.2=13.6 بليون سنة, بمعنى ثلاثة أضعاف عمر الأرض. والآن نقارن القيمة المقدرة علمياً الواردة بالنص التالي:
How old is the Universe?
Until recently, astronomers estimated that the Big Bang occurred between 12 and 14 billion years ago, but the most widely accepted age is around 15 billion years, or about three times older than the earth. Astronomers continue to refine their estimates as new observations produce new data. Astronomers estimate the age of the universe in two ways: 1) by looking for the oldest stars; and 2) by measuring the rate of expansion of the universe and the expansion rate tell them how long the galaxies have been traveling since the big bang, and thus provide a rough age for the Universe.
الحقيقة السادسة: حبك السماء
The Sixth Principle: "Hobbok" (Subtle ripples) of the heaven:
{وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ }الذاريات7
حبك السماء سر الكون:
(( قد يستطيع العلماء قريباً إلقاء نظرة خاطفة على بدايات الكون، وذلك بدراسة التموجات الدقيقة (Subtle ripples ) التي تحدثها موجات تثاقلية (شكل: 9). وأصبحت تلك التموجات الوسيلة لفك رموز علم الكون)).(عن مجلة علوم أمريكا)
Scientists may soon glimpse the universe's beginnings by studying the subtle ripples made by gravitational waves
أدركت أن وراء القسم بحبك السماء سر عظيم, وتأكد لدي هذا الإدراك بعد أن وجدت التطابق بين آراء علماء الكون عن تموجات خلفية الكون وأراء المفسرين عن حبك السماء.
خلاصة أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ } الذاريات
الحبك: قَالَ الضَّحَّاك: ذَات الطَّرَائِق; يُقَال لِمَا تَرَاهُ فِي الْمَاء وَالرَّمْل إِذَا أَصَابَتْهُ الرِّيح حُبُك. وَنَحْوه قَوْل الْفَرَّاء قَالَ: الْحُبُك تَكَسُّر كُلّ شَيْء كَالرَّمْلِ إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيح السَّاكِنَة، وَالْمَاء الْقَائِم إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيح, وَدِرْع الْحَدِيد لَهَا حُبُك, وَالشَّعْرَة الْجَعْدَة تَكَسُّرهَا حُبُك. وَفِي حَدِيث الدَّجَّال: أَنَّ شَعْره حُبُك.
قَالَ زُهَيْر :
مُكَلَّل بِأُصُولِ النَّجْم تَنْسِجهُ رِيح خَرِيق لِضَاحِي مَائِهِ حُبُكُ... وَلَكِنَّهَا تَبْعُد مِنْ الْعِبَاد فَلَا يَرَوْنَهَا
وقال الضحّاك: الرمل والزرع إذا ضربته الريح فينسج, ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء، وهو قول مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير بعضه بعضاً طرائق طرائق، فذلك الحبك.
وعن أبي صالح {ذات الحبك} الشدة.
وقال خصيف {ذات الحبك} ذات الصفاقة.
وقال الحسن البصري: {ذات الحبك} حبكت بالنجوم. وقال عبد اللّه بن عمرو {والسماء ذات الحبك} يعني السماء السابعة. وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء، كما قال ابن عباس رضي اللّه عنهما فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة، شديدة البناء، متسعة الأرجاء، أنيقة البهاء، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات، موشحة بالكواكب الزاهرات. الحبك جمع الحباك ، كالكتب جمع كتاب، تستعمل تارة في الطرائق، كالطرائق التي ترى في السماء، وأُخرى في الشعر المجعد، وثالثة في حسن أثر الصنعة في الشيء واستوائه.
قال الراغب: (والسَّماء ذات الحبك) أي ذات الطرائق، فمن الناس من تصور منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة. ولعلّ المراد منه هو المعنى الاَوّل أي السماء ذات الطرائق المختلفة، ويوَيده جواب القسم، وهو اختلاف الناس وتشتت طرائقهم، كما في قوله: (إنّكم لفي قول مختلف) ،و ربما يحتمل أنّ المراد هو المعنى الثالث أي أقسم بالسماء ذات الحسن والزينة، نظير قوله تعالى: (إِنّا زَيَّنا السَّماءَ الدُّنيا بزِينةٍ الكَواكِب) ولكنه لا يناسبه الجواب، إذ لا يصحّ أن يحلف حالف بالاَمواج الجميلة التي ترتسم بالسحب أو بالمجرّات العظيمة التي تبدو كأنّها تجاعيد الشعر على صفحة السماء، ثمّ يقول: (إِنّكم لفي قول مختلف)، أي إنّكم متناقضون في الكلام.
اكتشاف حبك السماء:
في عام 1993, رصد القمر الصناعي كوب (COBE Satellite) تموجات دقيقة في إشعاع خلفية الكون, وتلك التموجات تمثل بقايا السجلات القديم الدالة على عدم انتظام المادة الأصلية عند ولادة الكون. وقد تم تكبير تلك التموجات خلال السنين العشر الأخيرة من تاريخ الكون بفعل جاذبية المادة المعتمة. ويعتقد أن تلك التذبذبات الهينة هى المسؤولة عن نشأة بنيات عديدة غنية تظهر اليوم في مسح المجرات.
ولا يسعني إلا أن أسجل فخري واعتزازي بعلم بعض مفسري القرآن الكريم بعد أن جاء من بعدهم من علماء الكون والفلك بمئات السنين ليرددوا حرفياً ما قالوه. إن هولاء المفسرين العلماء قالوا كما أسلفت عن تفسير الْحُبُك: أنها تَكَسُّر كُلّ شَيْء كَالرَّمْلِ إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيح السَّاكِنَة, وَالْمَاء الْقَائِم إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيح, وَدِرْع الْحَدِيد لَهَا حُبُك, وَالشَّعْرَة الْجَعْدَة تَكَسُّرهَا حُبُك. ولننظر إلى التوافق العجيب بين قولهم وقول العلماء في وصف تذبذبات خلفية الكون (Subtle ripples) بأنها تشبه الأمواج الناتجة من جراء إلقاء حصاة في حمام سباحة, وتلك نص مقالتهم باللغة الإنجليزية:
(("subtle ripples" detected nowadays in the sky; they said that they are similar to sending out waves very much like the ripples in a pond when you throw in a pebble,")).
ورحم الله البعض من المفسرين الذين استبعدو أن يحلف حالف بالأمواج الجميلة التي ترتسم بالسحب أو بالمجرّات العظيمة التي تبدو كأنّها تجاعيد الشعر على صفحة السماء. ولكن العلماء الأمريكان يقولون: (( قد يستطيع العلماء قريباً إلقاء نظرة خاطفة على بدايات الكون، وذلك بدراسة التموجات الدقيقة (Subtle ripples ) التي تحدثها موجات تثاقلية (شكل:8-9). وأصبحت تلك التموجات الوسيلة لفك رموز علم الكون)). وما التموجات الدقيقة تلك إلا مفتاح من مفاتح حبك السماء. وحينما نقارن خرائط السماء التي ترسم بالموجات السابق ذكرها ندرك عظمة قول المفسرين عن الحبك في قولهم الحبك جمع الحباك ، كالكتب جمع كتاب، تستعمل تارة في الطرائق، كالطرائق التي ترى في السماء، وأُخرى في الشعر المجعد، وثالثة في حسن أثر الصنعة في الشيء واستوائه.
شكل(: تترك البقايا المحفوظة في الإشعاع االناتجة عن موجات جاذبية فترة التضخم الأعظم بصمات واضحة في موجات سى إم بي (أنظر النص الأجنبى).(عن كالدويل و كاميونكوفسكى. أصداء من الانفجار الأعظم. مجلة العلوم-المجلد17-العدد 10-2001- ص.37).
RELIC IN THE RADIATION Inflationary gravitational waves would have left a distinctive imprint on the CMB. The diagram here depicts the simulated temperature variations and polarization patterns that would result from the distor Ripples at the Edge of the UniverseThe Cosmic Background Explorer satellite was launched twenty five years after the discovery of the microwave background radiation in 1964. In spectacular fashion in 1992, the COBE team announces that they had discovered `ripples at the edge of the universe', that is, the first sign of primordial fluctuations at 100,000 years after the Big Bang. These are the imprint of the seeds of galaxy formation.
والتموجات الدقيقة, هي تذبذبات طفيفة في إشعاعات خلفية الكون الميكرويفية, التي تتسلل بحذق في الكون كما تشير إلى ذلك الكلمة الإنجليزية (subtle ripples) . هذا وقد اكتشفت موجات CMB سنة 1965 عن طريق مركب الفضاء كوب ( COBE). ويرى العلماء أنها تولدت من موجات جاذبية عاتية تراوح طولها الموجي من واحد سنتيمتر حتى 1023 (واحد أمامه 23 صفراً ) كيلو متر أثناء التضخم الكوني ( التضخم يعبر عنه بلغة القرآن كلمة " ففتقناهما "). وقد سادت تلك الموجات العاتية الكون قرابة نصف مليون سنة بعد لحظة الانفجار الأعظم (شكل:9). وقد أحدثت تلك الموجات العاتية للثقالة (للجاذبية) تشوهات في مادة الكون الأولى (الحساء الكوني ), أدت إلى تكوين بنيات كبيرة الحجوم من المجرات وحشود المجرات الموجودة في عالمنا الحالي.
هذا كشف قرآني عجيب, لعل من يحققه عند أو بعد طبع تلك الكلمات بقليل يحصل على جائزة نوبل لاكتشافه حبك السماء. ومن يرجع إلى كتب التفسيرسيجد أن الحبك في قوله تعالى وهو يقسم: وذات الشدة، وذات المجرة، فكما ذكر فإن بُنْيات السماء أصلها التموجات. ولفظ الحبك لفظ جامع وشامل لكل تموجات
أستاذ علوم الأرض في جامعة المنصورة ـ باحث إسلامي
الحقيقة الثانية :دخان السماء والبينية وظلمة السماء
The Second Principle: Dokhanesamaa and Darkness
يقول تعالى : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم) (فصلت 11-12)
وجهان للإعجاز في الآية: تشير الآية السابقة إلى وجهين عظيمين من وجوه الإعجاز العلمي تجليا في عصر العلم. والوجهان هما إشارة القرآن إلى الأصل الدخاني للسماء والإشارة إلى تسجيل صدى قول السماوات والأرض " قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ". ويندرج تحت الآية إعجازان آخران يتعلقان بظلمة السماء وما بين السماء والأرض من خلق. وتلك الوجوه الأربعة تكون محور المبدأ الثانى الوارد في عنوان هذا المبحث: وفيما يلى تناول هذه الوجوه المعجزة من الناحية التفسيرية والعلمية .
وأبدأ بالمحور الأول:
أولاً: الأصل الدخاني للسماء:
1- مختصر تفسير الآية:
في الجلالين: استوى" قصد "إلى السماء وهي دخان" بخار مرتفع
في مختصرابن كثير: وَقَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى " ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان" وَهُوَ بُخَار الْمَاء الْمُتَصَاعِد مِنْهُ حِين خُلِقَتْ الْأَرْض". "
في القرطبي: وَفِي قَوْله تَعَالَى لَهُمَا وَجْهَانِ" قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ": أَحَدهمَا أَنَّهُ قَوْل تُكُلِّمَ بِهِ, الثَّانِي أَنَّهَا قُدْرَة مِنْهُ ظَهَرَتْ لَهُمَا فَقَامَ مَقَام الْكَلَام فِي بُلُوغ الْمُرَاد ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ
في حين أن القرآن الكريم تحدث منذ ما يزيد على 1400 سنة عن الأصل الدخاني للسماء , فإن غبار مابين النجوم لم يكتشف إلا حينما صنع الألمان أجهزة كشف الغبار. واليوم ترسم خرائط للأوساط بين الكواكب والنجوم والمجرات (شكل: 2 )
إن الأقاليم بين النجوم كتلك التي في مجرة درب التبانة لهى أبعد كل البعد من أن تكون فارغة, بل هى في الحقيقة مملوءة بالغاز والغبار والمجالات المغناطيسية والجسيمات المشحونة. وتعرف تلك المناطق بالوسط البيننجمي (interstellar medium). ويشكل الغاز 99% من ذلك الوسط , بينما يمثل الغبار ال 1% المتبقية. وتبلغ الكتلة الكلية للغاز والغبار 15% من كتلة مجرة درب اللبانة. ويمثل الأيدروجين 90% من وزن الغاز , والبقية ممثلة بغاز الهيليوم. ويظهر الغاز على شكل سحب باردة وأيدروجين مؤين. وتعد السحب المادة الخام لتكوين النجوم.
أما عن الغبار بين النجوم, فقد اكتشف العلماء أن عالمنا هو عالم ترابي ( (Our universe is a very dusty place. والغبار الكوني الحالي ليس سوى جزء متبقي من دخان السماء. وحتى الآن يحار العلماء في وصف حبيبات الغبار البيننجمي (بين النجوم). والغبار الكوني (Cosmic Dust) هو جسيمات تمثل تجمعات من جزيئات قليلة في الفضاء تصل أحجام حبيباتها إلى 1 من مائة من المليمتر. ويتميز الغبار على حسب مكان توزيعه في الفضاء؛ فهناك الغبار بين النجوم, وبين الكواكب والغبار الكوني, والغبار المحيط بالكواكب..إلخ. ويتكون الغبار من صفائح رقيقة أو جرافيت إبرى الشكل (كربون) وسليكات عصوية الشكل محاطة بماء متثلج. ولا يعرف العلماء حتى اليوم طبيعة وأصل الغبار بين النجوم.
شكل (2): غبار ما بين الكواكب (Courtesy of E.K., Münster, and Don Brownlee)
وحبيبات غبار ما بين النجوم في حالتها المثالية لا تزيد أحجامها على كسرمن الميكرون, وهي غير منتظمة الشكل وتتكون من الكربون والسليكات. وحينما يمتص الضوء بواسطة هذا الغبار تظهر مناطق كبيرة مظلمة في مجرتنا وفي المجرات الأخرى, وتسمى تلك السحب السدم السوداء مثل تلك التي تجاور سديم رأس الحصان(شكل 2). Interstellar) الإظلام
ورائع حقاً أن يقترح العالم جـ . مايو جرينبرج (J. Mayo Greenberg) نموذجاً أسماه نموذج الغبار الموحد (Unified dust model), يرى وفقاً له أن الغبار بين النجوم يعد مصدراً رئيسياً للمعلومات عن ولادة النجوم والكواكب والمذنبات. حيث تمثل سٌحٌب الغبار "السٌدٌم " بيوت حضانة نجمية, فيها تحجز حبيبات الغبار الإشعاع داخل السحب الغازية, وهذا يسهل انهيار تلك السحب وتشكيلها للنجوم. ومن الأصح أن يستخدم جرينبرج اللفظ القرآني" الدخان" بدلاً من الغبار البيننجمي (بين النجوم), خاصة أنه ذكرأن أكبر حببيبات الغبار تشبه " دخان السيجارة". وقد استنتج جرينبرج أن أصل مجرتنا درب التبانة غبار. ولن يعتبر الفلكيون بعد اليوم الغبار بين النجوم أمراً مزعجاً, بل مصدراً رئيسا للمعلومات عن ولادة النجوم والكواكب والمذنبات, وقد يكون حاملاً لدلالات عن أصل الحياة ذاتها. وهكذا تحكي لنا حبة الغبار قصة تاريخ السماء
ثانياً: صدى "أَتَيْنَا طَائِعِينَ":
كيف تكلمت السماء والأرض؟ تأتى الإجابة على لسان عالم الفلك Mark Whittle في جامعة فرجينيا. الذي قام بتحليل إشعاع خلفية الكون(Cosmic Microwave Background radiation (CMB) التي ولدت في ال 400,000 سنة الأولى في عمر الكون بعد حادث "الانفجار الأعظم". يقول هذا العالم أنه مندهش من أنه لم يصل أحد من قبله إلى كشف السر الذي توصل إليه. وقد توصل مارك هويتل إلى أن آخر سجلات التموجات (Ripples) المصاحبة لإشعاع خلفية الكون التي تأتى مباشرة بعد التضخم الأعظم (Big Inflation) تشبه الأمواج الصوتية المنسابة عبر الكون. إن هذه التموجات (Subtle Ripples) تعكس تأرجحات في كثافة مادة الكون الأولية ناشئة من أمواج صوتية, وقد بلغ عرض تلك الموجات 30,000 سنة ضوئية, و55 أوكتاف تحت ما يمكن للبشر سماعه..
وحينما تم استيضاح هذه الموجات أمكن سماع ضجيج مخاض الكون (the cry from the birth of the cosmos can be heard)
. وأنا بدوري أقول إن هذا الصراخ ما هو إلا الصوت المصاحب لفتق الرتق وصدى قول السماوات والأرض بالطاعة لأمر الله
(( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) . وهذا هو النص باللغة الإنجليزية الذي ترجم فحواه.
Mark Whittle of the University of Virginia has analyzed the so-called cosmic background radiation that was born 400,000 years after the Big Bang. He said: "I was a little surprised that someone had not done it before. He took the latest data about the Cosmic Microwave Background radiation (CMB) which comes from an era just after the Big Bang. Ripples in the radiation are like sound waves bouncing through the cosmos. Over the first million years the music of the cosmos changed from a bright major chord to a somber minor one. They show ripples in the CMB which are subtle variations in the density of matter which can, in one sense, be thought of as sound waves. These cosmic sound waves are 30,000 light-years wide and are 55 octaves below what humans can hear. But when they are shifted to regions of the audible spectrum, the cry from the birth of the cosmos can be heard.
ثالثاً: المادة المعتمة(Dark matter):
ظلمات الكون: وردت كلمة "ظلمات" في القرآن الكريم 23 مرة. وتشير الكلمة إلى معان معنوية متعلقة بالضلالة في كثير من المواضع, كما تشير إلى معان حسية ترتبط بظلمات السماء, وظلمات الأرض, وظلمات البحر اللجي, وظلمات البر والبحر, وظلمات متراكبة, وظلمات بطن الحوت الذي التقم نبي الله يونس عليه السلام, وظلمات الخلق في بطون الأمهات. وحينما يقترن ذكر الظلمات والنور نجد أن الظلمات تأتى بصيغة الجمع بينما يأتي النور بصيغة الإفراد, وأيضا تتقدم الظلمات على النور. ويعنينا هنا الأيات التي تتحدث عن ظلمات الكون والتي يمكن ذكرها على النحو الآتي:
1- الظلمات على إطلاقها في قوله تعالى:
((الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ)) (الأنعام:1).
2- ظلمات من السحاب في قوله تعالى:
((أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)) (البقرة:29).
3-ظلمات الأرض في قوله تعالى:
((وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(( (الأنعام:59).
4- ظلمات البر والبحر كما في قوله تعالى:
((أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) (النمل:63).
5- ظلمات البحر في قوله تعالى:
((أوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)) (النور:40).
المعالجة العلمية: تسبح الطيور في جو السماء, وتسبح كائنات البحار في الماء, وتسبح كائنات الأرض معها حول الشمس .وتسبح جميع أجرام السماء في وسط لا نبصره. ويسود الاعتقاد بين علماء الفلك بأن ذلك الوسط يتكون من مادة مرئية, وطاقة ومادة غريبتين أطلقوا عليهما الطاقة السوداء أو المعتمة والمادة السوداء أو المعتمة. هي شىء ما هناك في مكان ما. ولو استطعنا رؤية المادة المعتمة لبدت مجرة درب اللبانة مكانا مختلفا تماماً؛ حيث يبدو قرصها ملتفاً بضباب كثيف من جسيمات تلك المادة المعتمة.
ومن العجيب أن علماء الفلك يؤكدون على أن النجوم ومجراتها وأسوارها الأعظمية وأجرام السماء على اختلافها لا تمثل سوى 1% من كتلة الكون. وأن الغاز الكوني مع أشكال المادة العادية تمثل أقل من 5%. ومعرفة طبيعة كتلة الكون المتبقية والتي تبلغ 95 % معلق على رصد تلك المادة المعتمة. ويطلق العلماء على الجسيم المكون لتلك المادة النيوترالينوNeutralino. وليس ذلك الجسيم أبيبا (بروتونا) ولا كهربا (إلكترونا) ولا المتعادل (النيترون) ولا الجسيم الخفيف الحر الطليق (النيوترينو). ولكن ذلك "الساحر الأسود" ما هو إلا جسيم بارد ثقيل مستقر, لا شحنة له, إنه جسيم شديد التحفظ عزوف عن التصادم, ومن ثم تسبح في مادته كل الأجرام. والنيوترالينوهات متجانسة فائقة التناظر.
وتسبح الشمس في المادة المعتمة بسرعة 220 كيلومتر في الثانية قاطرة معها أفراد أسرتها كريشة في مهب الريح. وهذه المادة وفيرة جداً في الكون؛ حتى أن العلماء يقدرون بليوناً من جسيماتها متدفقاً عبر كل متر مربع في الثانية الواحدة. ولن نجد تعبيراً أدق من وصف القرآن لها [إنها الوسط الذي يسبح فيه كل شىء ((كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ))(الأنبياء:33) . ولم يكن الوصف القرآني سابقاً على اكتشاف تلك المادة فقط؛ بل مخبراً بوجودها, علماً بأن العلماء لم يتمكنوا من رصدها حتى هذه اللحظة. وسبحانه وتعالى يقسم بما يشاء, سواء أبصرناه أو لم نبصره, يقول تعالى: ( فلا أفسم بما تبصرون * وما لا تبصرون* إنه لقول رسول كريم)(الحاقة:38-40).
كيف سترصد الماد المعتمة؟ لم تر تلك المادة حتى الآن لسببين؛ لأنه لم يكتشف أثرها في المادة المعتمة, أو بسبب الضجيج (التشويش) الناجم عن النشاط الإشعاعي الطبيعى والأشعة الكونية. ويعتمد رصد المادة المعتمة على رصد النبضات الضوئية والحرارية الناتجة من اصطدام مكوناتها مع أنوية المادة العادية. ويترقب العلماء الكشف عن التأثير الضوئي والحراري الناتج بفعل مرور جسيمات المادة المعتمة في المادة العادية. ويتم ذلك عن طريق كشافات التلألؤ الضوئي والكشافات فائقة التبريد. وللتغلب على ضجيج الأشعة الكونية المربكة؛ توضع الكشافات في أماكن عميقة تحت سطح الأرض بعد تغليفها بدروع خاصة, بجانب تنقية مادة الكشافات لخفض التلوث الإشعاعي.
وإنني ألمح الكثير من الإشارات القرآنية تشير إلى وجود تلك المادة المعتمة, منها:
1- إشارة القرآن إلى سباحة الأجرام , حيث أن السباحة تحتاج إلى وسط يسبح فيه. ((كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) (الأنبياء:33).
2- إشارة القرآن إلى خلق مابين السماوات والأرض في قرابة عشرين موضعاً. وأحسب أن أسرار ((وما بينهما)) التي ترد في القرآن في معرض خلق السماوات ستكون الشغل الشاغل لعلماء الفلك والكونيات في الخمسين سنة المقبلة.
3- القسم القرآني بما لا نبصر: ((َ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ *وَمَا لَا تُبْصِرُونَ)) (الحاقة:38-39).
إن كشف المادة السوداء يعتمد على التأثير الناتج من لقاء المادة المظلمة مع المادة العادية بعد إزالة الضجيج الكوني, ويا حبذا لو كان الملتقى تحت الثرى. وأحسب والله أعلم أن اللقاء قد حدث فعلاً في أقدس مكانين على الأرض عند الكعبة المشرفة بمكة أم القرى, وفي الروضة الشريفة عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنور. فقد أظهرت الصور الحديثة للأرض التي التقطتها وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" حيث بدت الأرض مظلمة إلا في بقعتين منيرتين هما الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف. إن بعض جسيمات نور جسد الرسول صلى الله عليه وسلم المسجى تحت الثرى في قبره ربما قد تآزرت مع جسيمات المادة المعتمة فنتج عنها ومضات ضوئية أضاءت صورة الأرض المظلمة.
رابعاً: ظلمة الكون:
أولاً-السبق القرآني: تشير آيات القرآن إلى ظاهرة ظلام الكون التي لم يكتشفها العلم إلا مع غزو الإنسان للفضاء في نهاية الستينات من القرن العشرين. وتلك الآيات هى قول الحق تعالى:
1-(( فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(( (الأنعام:96).
2-((وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ *لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ)) (الحجر:14-15).
3-((وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ)) (يس:37).
4- ((أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا *رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا *وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا)) (النازعات:27-29).
5- ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)) (يونس:67 ).
ثانيا- الإعجاز العلمي القرآني في ظلمة الكون أصابت الدهشة رواد الفضاء من عدم الإبصار في أجواز الفضاء؛ وذلك بسبب الظلام الذي يحيط بجميع الأجرام السماوية من نجوم وكواكب وأقمار تسبح وسط هذا الظلام الشامل. وهذا مشهد جديد في السماء لم يألفه الإنسان في جو الأرض. وحينما انطلق رواد الفضاء في غلاف الأرض المضيء, ماهي إلا ثوان معدودات حينما اخترقوا الفضاء حتى وجدوا تلك القشرة المنيرة من الغلاف الجوي تتحول تدريجيا من اللون الأزرق الفاتح لقبة السماء إلى اللون الفيروزي ثم الأزرق الغامق ثم البنفسجي وتصبح حالكة السواد على ارتفاع حوالي مائتي كيلومتر من سطح البحر. ويحدث هذا مع وجود الشمس التي تمثل السراج الوهاج. وهنا يتبين وجه الإعجاز في قوله تعالى: ((لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا)) حيث لا تبصر العين في وجود الظلام الحالك. ثم إن الجزء المضيء من غلاف الأرض والذي لا يتعدى المائتي كيلومتر لو قسم على المسافة بيننا وبين الشمس والمقدرة بحوالي 150 مليون كيلومتر لم تكن نسبة الجزء المنير إلى الآخر المظلم شيئا مذكوراً. ويعبر عن ذلك بالفعل(نسلخ) في قوله تعالى: -((وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ)). حقا إن الغلاف المضيء للأرض سلخة في ظلام الكون. ولكن كيف يخرج النهار المضيء من ليل السماء الغطش. والحقيقة أن ضوء الشمس يسافر في الفضاء دون أن يرى لانعدام التبعثر أو التشتت الضوئي, نظراً لتخلخل الجو وعدم احتوائه على الذرات الكافية لإحداث الانعكاس والتشتت للأشعة بالدرجة التي تجعلنا ندرك النور غير المباشر الذي نشعر به فقط في جو الأرض. وهنا يتجلى إعجاز قرآني آخر في ((وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)) في قوله تعالى- ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ))؛ حيث يمثل الذر عيون النهار التي تبصر ضوء الشمس.
خامساً -البينية في خلق السماوات والأرض:
أولاً: البينية في القرآن:
خلق الله السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام. وفي ثلاثة آيات يذكر (( وما بينهما )) في قوله تعالى: (( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) ( الفرقان : 59 ) وقوله تعالى (( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) ( السجدة : 4 ) وقوله تعالى (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ )) ( ق : 38 ). وقد ذكرت السماء مفردة في موضعين (( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ )) ( الأنبياء : 16 )، وقوله أيضاً: (( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا )) ( ص : 27). ويضاف موضع ثالث يحدد فيه موضع السحاب في قوله تعالى .. وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ )) ( البقرة : 164 ).
كلمتان في القرآن الكريم ستكونان هما الشغل الشاغل لعلماء الكون والفلك في العقود الأولى من القرن الحادى والعشرين. هاتان الكلمتان هما" وما بينهما " اللتان تذكران في معرض حديث القرآن عن خلق السماوات.
ثانياً- البينية في العلم:
ماذا تعني البينية السابقة في ضوء العلم الحديث؟ قد تعني أولاً طبقات الغلاف الجوي الممتد من سطح الأرض حتى الفضاء الخارجي التي سبق ذكرها، وهذا صحيح. وقد تعني غلاف الكواكب الأخرى غير كوكب الأرض. والمثير حقاً أن البينية أشمل وأعم وتعني الغلاف البينجمي وغلاف المجرات وأى غلاف في السماء. فلم يعد الفراغ بين النجوم والمجرات فارغا، بل تميز بوجود غلاف بينجمي وغلاف مجري يشبهان الغلاف الجوي للأرض في درجة تعقيده.
ومنذ عدة سنوات فقط صار معروفاً أن هناك غلافاً جوياً رقيقاً جداً يدعى الوسط البينجمي يغلف مجرتنا ويملأ الفضاء بين بلايين النجوم (شكل3). ويتكون هذا الغلاف من الهيدروجين على هيئة ذرات وجزيئات وبلازما من أيونات الهيدروجين.
شكل (3 ): دورة الغاز في المجرة (عن مايو جرينبرج. أسرار الغبار النجمي. مجلة العلوم-المجلد 17- العددان 8/9- 2001_ ص.60).
وللغاز بين النجوم دورة تشبه دورة الماء في الطبيعة حيث يتكاثف الغاز بين النجوم (البينجمي) فتتكون النجوم التي بدورها تتبخر. وتتبادل المجرات المواد مع الفضاء بين المجرات فتفقد المجرات جزء من كتلتها في الوسط البينجمي، وفي الوقت نفسه يغذي الوسط المجرات ( شكل:3). وهكذا أصبح الوسط البينجمي يحظى بأهمية تفوق ما كان يظنه العلماء في الماضي وأدركوا أنه ممتلئ بنوافير جبارة من الغاز الحار، وفقاقيع هائلة تحدثها النجوم المتفجرة. ويصل نصف قطر الفقاعة من 50 – 100 فرسخ فلكي، وتبدو الشمس ضمن فقاعة حارة، وكلما تكشفت أسرار جديدة عن الفراغ بين النجوم والمجرات تأكد العلماء أن ما بين السماوات والأرض خلق عظيم.
وهنا تلعب البينية التي أشرنا إليها دوراً إيجابياً في تكوين السماء. بمعنى أن خلق ما بين السماوات والأرض عملية مكملة ومتلازمة مع خلق السماوات والأرض, توثر إحداهما في الأخرى. ومن هنا ندرك أن خلقهما تم في ستة أيام معاً. وفي آيات يتم التركيز على خلق السماوات والأرض في ستة أيام, وفي آيات أخرى يتم التركيز على خلقهما وما بينهما في نفس الستة أيام., الأمر الذي يجزم بعظم البينية.
والفضاء الخاوي في النهاية ليس خاوياً . وما يزال الجزء الأعظم من كوننا مظلماً لا يؤخذ في الحسبان. وخلال العقد القادم، سوف تستمر الأبحاث عن المادة المظلمة وذلك من خلال تجارب حساسة تجري تحت الأرض في المقام الأول. وتلك المادة المسماة بالمادة الخفية المعتمة Black Matter, يعتقد العلماء وجودها مع أن أحدا لم يرصدها بعد، وما تزال طبيعتها لغزا، وصدق تعالى حيث يقول:" فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ " ( الحاقة : 38 - 40 ).
الحقيقة الثالثة: إتساع السماء
The Third Principle: The "Etsaessamaa
(وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (الذاريات-47)
مختصر التفسير:
مختصر تفسير ابن كثير: يَقُول تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى خَلْق الْعَالَم الْعُلْوِيّ وَالسُّفْلِيّ" وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا " أَيْ جَعَلْنَاهَا سَقْفًا مَحْفُوظًا رَفِيعًا " بِأَيْدٍ " أَيْ بِقُوَّةٍ قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالثَّوْرِيّ وَغَيْر وَاحِد " وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ " أَيْ قَدْ وَسَّعْنَا أَرْجَاءَهَا وَرَفَعْنَاهَا بِغَيْرِ عَمَد حَتَّى اِسْتَقَلَّتْ كَمَا هِيَ.
تفسير الجلالين: وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ" بِقُوَّةٍ "وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" قَادِرُونَ يُقَال : آدَ الرَّجُل يَئِيد قَوِيَ وَأَوْسَعَ الرَّجُل : صَارَ ذَا سِعَة وَقُوَّة
تفسير الطبري: في تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: وَالسَّمَاء رَفَعْنَاهَا سَقْفًا بِقُوَّةٍ. عَنِ ابْن عَبَّاس, قَوْله: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } يَقُول: بِقُوَّةٍ. عَنْ مُجَاهِد, قَوْله: { بِأَيْدٍ } قَالَ: بِقُوَّةٍ. عَنْ مَنْصُور أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } قَالَ: بِقُوَّةٍ. قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } قَالَ: بِقُوَّةٍ. عَنْ سُفْيَان {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } قَالَ: بِقُوَّةٍ. وَقَوْله: { وَإِنَّا لَمُوسِعُون} يَقُول: لَذُو سَعَة بِخَلْقِهَا وَخَلْق مَا شِئْنَا أَنْ نَخْلُقَهُ وَقُدْرَة عَلَيْهِ. قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله: { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } قَالَ: أَوْسَعَهَا جَلَّ جَلَالُهُ.
ٍ"والكون" يتمدد بسرعات هائلة, فالمجرة التي تبعد عنا بنحو 650 مليون سنة ضوئية تبتعد عنا بسرعة 15000 كم في الثانيةالواحدة ، بينما تتراجع المجرات وأشباهها (الكوازرات) المتواجدة في أطراف الكون بسرعة تصل إلى 270 ألف كم في الثانية. حقاً, إنه توسع رهيب؛ ففي أقل من ثانية تتراجع المجرات التي تقع في أطراف الكون لمسافة تعدل عشرين ألف مرة قدر قطر الأرض.
وجوه الإعجاز العلمى في آية اتساع السماء:
بالآية أربع إشارات تمثل قضايا علمية خطيرة يسعى العلماء اليوم في سبر أغوارها اليوم وفي المستقبل. وتلك الإشارات نطرحها على علماء الكون والفلك على هيئة أسئلة أربعة:
1- ما هي حقيقة السماء؟
2-- ما الذي يتسع, الكون أم الفضاء أم السماء؟
3- هل السماء بناء, وما هي معالم ذلك البناء؟
4- ما هي القوى التي تربط بناء السماء؟
وسأعالج السؤال الأول في بند مستقل. وأبدأ بتناول السؤال الثاني أولاً:
أولاً: ما الذي يتسع, الكون أم الفضاء أم السماء؟
تمثل فكرة إتساع الكون قلب علم الكسمولوجيا. ففي عام 1929 أعلن إدون هابل (Edwin Hubble), أن مشاهداته عن المجرات خارج مجرة درب اللبانة قد أظهرت أن تلك المجرات كانت تتحرك بعيداً عنا بطريقة منتظمة بسرعات تتناسب طردياً مع المسافة بيننا وبينها. وأبعد المجرات عنا هي الأسرع هروباً. وقد لاحظ هبل أن الضوء الآتي من تلك المجرات يحيد بعيداً نحو النهاية الحمراء لطيف الضوء.
ماذا يعني هذا الاتساع؟ بمعنى هل حينما نقول إن المجرة متحركة بعيداً عنا هل يشير ذلك إلى حركة طبيعية مثل حركة الأرض في مدارها؟ أم نتكلم عن امتداد الفضاء بيننا وبين المجرة؟ والذي ينجم بالتالي على هيئة مجرة متحركة بعيداً عنا. وبعبارة أكثر وضوحاً حينما نقول إن الكون في اتساع فنحن نتكلم عن إتساع الفضاء ذاته. وهنا يظهر أن هابل أصاب الحقيقة ولكنه أخطأ في الصياغة. وأن التصحيحات العصرية لنظرية اتساع الكون(Theory of Expanding Universe) تجعلها تقترب من حقيقة النص القرآني. والحقيقة المبهرة أنه حتى مع تنقيحح النظرية بالقول أن الفضاء هو الذي يتسع, فإنها ستحتاج إلى تصحيح آخرلابد أن يأتي في النهاية متفقاً مع النص القرآن الذي يشير إلى أن السماء هي التي تتسع, وحينئذ ترقى النظرية لتصبح حقيقة (شكل4-5).
ومن قبل حينما كنت أقرأ في علم تأريخ الكون وأجد اتفاق علماء الكونيات والفلك على أن أعظم اكتشاف في علم الفلك هو اتساع الكون, وأن هبل قد نال عن ذلك الإكتشاف جائزة نوبل في العلوم, كنت أسائل نفسي لماذا بعد الكشف بقرابة السبعين سنة ما زال الكشف يوصف بأنه نظرية؟ وبعد تمعني في فهم النص القرآني علمت أن السماء هي التي تتسع وليس الكون مصداقاً لقوله تعالى : (("وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْد وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)). وهنا أهتف من قلبي حقاً القرآن يقود إلى العلم الصحيح, وبكلمات أكثر تحديداً؛ على العلم أن يثبت نفسه في القرآن بمعنى أن يتوافق مع القرآن, وليس العكس إطلاقاً.
شكل (4) لا الكون ولا الفراغ يتسعان, ولكن السماء تتسع باستمرار.
ويظل السؤال حائراً: لماذا يتسع الكون بمعدل متسارع؟
شكل(5): تصور لمراحل خلق الكون.
ثانياً: هل السماءبناء؟ وما هي معالم البناء؟
1- بناء السماء: تقع النجوم في تكتلات هائلة يفصل بينها فراغ شاسع (شكل:12). وتئز النجوم حول وسط المجرة الإهليجية كما يئز النحل حول خليته ومعظم هذه النجوم عتيقة جداً، وتنتظم النجوم في مجرات تمثل لبنات بناء السماء. تبعاً لنظام التصنيف الذي طوره هابل, ويمكن تقسيم المجرات بصورة عامة إلى ثلاثة أنواع رئيسية: إهليجية، وحلزونية، وغير منتظمة .. ويعتقد أن الثقوب السوداء الفائقة تقبع تقريبا في كل مجرة إهليجية أو حلزونية ذات انتفاخ.
2-مسح السماء وأسوار السماء الأعظمية: والمجرة مع ذلك لا تمثل لعلماء الكونيات سوى الوحدة الأساسية للمادة. وثمة بلايين من المجرات تملأ الكون الذي يبلغ نصف قطره قرابة 12 بليون سنة ضوئية، وهي تتجمع في حشود يبلغ قطرها ثلاثة ملايين، أو يزيد، من السنين الضوئية، وهذه الحشود تتجمع في بناء عظيم. وقد اكتشف مسح دقيق " سوراً عظيماً" من المجرات طوله 750 مليون سنة ضوئية، وعرضه أكثر من 250 مليون سنة ضوئية، وسمكه 20 مليون سنة ضوئية. ويجري الآن تخربط سور سلون العظيم والذي يمتد لمليار سنة ضوئية (شكل:6). ويوجد في الكون عدد هائل من تلك الأسوار الأعظيمة تحوي بينها فجوات ضخمة، إنها من معالم الجزء الثانى من الآية: " الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناءاً".
شكل ( 6): خرائط كونية يظهر فيها سوران أعظميان في بناء السماء.( عن مجلة العلوم: قراءة مخططات نشوء الكون. ميشيل ستراوس_ العددان5/4-2004- ص.70).
ثالثاً: الشبكة الكونية والقسم القرآني: Cosmic Architecture: spider's web& Cosmic web
إذا أقسم الله على شيء فعلى أصحاب العقول أن يتدبروا الشيء المقسم عليه لأنه لابد أن يكون ذلك الشيء خطيراً. أما القسم هنا فهو قول الله تعالى: : " وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا "(الشمس: 5). ومن المؤكد أن حفظ الآية وتكرار ترديدها شيء عظيم, ولكن الأعظم من ذلك تدبر الآية. وقد أدهشني وأنا أكتب عن بناء السماء أمران: أولهما أنك حينما تبحث في شبكة المعلومات (Inter-net) وبمجرد أن تكتب المصطلح القرآني من مثل بناء السماء (Building Heaven) تطالعك أوراق علمية متخصصة عنوانها نفس المصطلح القرآني. ومن هنا استقر في عقلي أن قمة العلوم الكونية المكتشفة لا بد أن تستخدم مصطلحات القرآن ذات الصلة حتى وإن كان كتابها لم يعرفوا عن القرآن شيئاً.
أما الأمر الثاني فهو اكتشاف العلماء لما يسمى بالشبكة الكونية أو الشبكة العنكبوتية الكونية باعتبارها إحدى أهم معالم هندسة الكون (شكلك7).
فراغات وأسوار اكتشف بعضها اليوم, وسيكتشف غيرها غداً, وسيمعن الناس النظر في الكون بأعينهم مرة ومرتين, وسيبحر العلماء بعقولهم وعلمهم وأجهزتهم مرات ومرات على الفرغات أو على التراخى. ومن المؤكد أنهم سيجدون كوناً واسعاً متسعاً متناسقاً لا تفاوت فيه مصداقاً لقوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ) (الملك 3-4).
شكل (7):توزيع النجوم في سديم كراب
رابعاً: الاهتداء بالنجوم في مسح الزمكان :
النجم في القرآن الكريم يهتدى به، والنجم يهوي، والنجم يسجد، ومن النجم الطارق الثاقب, والخنس الكنس. وقد وردت في القرآن آيتان تشيران إلى الإهتداء بالنجم. وقد ذكر في القرآن أن النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. إلا أن ما أثار اهتمامي أن آية سورة النحل قد أشارت إلى الاهتداء بالنجوم دون أن تحدد وجهاً محدداً لتلك الهداية, حيث يقول تعالى: " وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ " ( النحل:16). وكنت على يقين من أن عدم تحديد نوع الهداية في تلك الآية لابد أن يكون وراءها سر ما. وتبين لي ذلك السر حينما علمت أن بعض أنواع النجوم يهتدى بها في مسح الزمكان (space – time ). وتستخدم المستعرات من النمط Ia كشمعات في مسح الزمان والمكان معاً. ويستعرق توهج هذه الكتلة النارية قرابة ثلاثة أسابيع تبلغ فيها سطوعها الأعظم, ثم يخبو هذا السطوع خلال شهر. ويمكن من مسح رقعة السماء بآلة التصوير الشاملة الضخمة (Big Through Camera) بصفة منتظمة للعثور على مستعر أعظم.
والآن أرجو منك تأمل آخر سطر في الفقرة التالية التي أنقلها حرفياً من المجلد 15 العدد 11/ نوفمبر 1999 من مجلة أمريكا للعلوم مع تدبر النص القرآني:" وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ " ( النحل: 16) قبل زمن طويل (يقدر بنحو خمسة بلايين سنة)، وفي مجرة قََصِيّة (يفصلها عنا 2000 ميجا بارسك*)، انفجر نجم ميت منذ أمد بعيد، مصدراً وميضاً أسطع من ضوء بليون شمس. وقد انتشر ضوؤه, وخلال عشر دقائق، في إحدى الليالي المظلمة من عام 1997, حط بضع مئات من الفوتونات التي انطلقت من هذا المستعر الأعظم (Supernovaٍٍ على مرآة مقراب (تلسكوب) في جمهورية تشيلي وعندئذ ولد حاسوب في الرصد صورة ضوئية ضعيفة على شاشة. ومع أن النظر إلى هذه الرقعة الباهتة لم يكن شيئاً مثيراً للإعجاب, فقد كان منظرها بالنسبة إلينا في منتهى الإثارة إذ إنها مثلت لنا منارة جديدة نهتدي بها في مسح الزمان والمكان(الزمكان).
سادساً: الأيدي وقوى بناء السماء:
ويقول تعالى: " اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ " ( الرعد : 2 ) .. ويقول أيضاً: " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ " ( لقمان : 10 ). وللمفسرين في قوله " بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا " قولان: أحدهما أنها مرفوعة بغير عمد ترونها. والثاني: لها عمد ولكنا لا نراها. والحقيقة أن السماوات ممسوكة ، وأن الذي يمسكها هو الله " وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " ( الحج : 65 ). يقول تعالى: ((إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً)) (فاطر: 41).
وعلماء الكون والفلك والرياضيات يبحثون عن الميزان الذي يوحد ويربط القوى الأربع المعروفة في كوننا. وتلك القوى هي:
1- القوى الكهرومغناطيسية التي تربط الذرات بعضها ببعض مثل التي تربط ذرات الأكسجين بذرات الهيدروجين ليتكون الماء.
2- القوى النووية الضعيفة التي تفكك وتحلل الجسيمات الأولية داخل الذرة، والمسؤولة عن التحلل الإشعاعي الذي يمد الأرض بالحرارة التي تحفظها من التجمد.
3- القوى النووية الشديدة التي تربط الجسيمات من مثل البروتونات والنيترونات والكواركات داخل النواة.
4- القوى التثاقلية. والقوى الأخيرة أمرها عجيب؛ فهي التي تمسك الكون على الرغم من ضعفها حيث تبلغ 10-39 ( واحد مقسوماً على عشرة أمامها 39 صفراً) من القوة النووية. ويسعى علماء الأرض من أهل التخصص, إلى إيجاد معادلة توحد تلك القوى.
ويسعى العلماء للحصول على نظرية توصف توحيد القوى؛ وبالتالي توصيف القوى الموحدة السائدة قبل فتق الرتق مباشرة؛ تلك اللحظة التي قال الله فيها للسماوات والأرض كونا فكانتاً. وفي حالة توحيد القوى في المستقبل سيطرح هذا السؤال نفسه بشدة: من كان في الأصل وراء ذلك التوحيد؟ يأتينا الجواب في قوله تعالى:" بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ. يقول الأستاذ مارتن ريس ( Martin Rees ) حامل اللقب الشرفي (فلكي ملكي ) " فقد يكتشف الفيزيائيون ذات يوم نظرية موحدة تحكم الواقع الفيزيائي بكامله، غير أنهم لن يكونوا قادرين على الإطلاق على إخبارنا عن الشيء الذي ينفخ الروح في معادلاتهم، وما الذي يجعلها أمراً واقعاً في كون حقيقي".( 2 )
الحقيقة الرابعة: مراحل تطور خلق الكون في القرآن الكريم
The Fourth Principle: Consequence of Cosmos Development:
آيات بينات:
يقول تعالى: ((قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِين* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )) (فصلت9-12)
يمثل تحديد عمر الكون حجر الزاوية في علم التأريخ الكوني(الكسمولوجيا:Cosmology), وهو في الحقيقة معضلة كبرى تثير خيال العلماء والفلاسفة على حد سواء. ويحدد عمر الكون باستخدام المداخل الرياضية, والفيزياء النظرية والفلكية. وتشير الأيات إلى ثلاث مراحل لا رابعة لهن:
أولاً- مرحلة خلق الأرض في يومين.
ثانياً- مرحلة جعل الرواسي والبركة في الأرض وتقدير أقواتها في يومين.
ثالثاً- مرحلة قضاء سبع سماوات من الدخان في يومين.
ووفقا للآيات السابقات فإن مراحل خلق السماوات والأرض ثلاثة متساوية في الزمن, كل مرحلة استغرقت يومين. ومرحلة ابتداء خلق الأرض من العدم, وأيضاً مرحلة تسوية السماوات السبع لا يمكن للعلماء رؤية شواهدهما مباشرة, وهذا شيء صعب حقيقة وليس يسيرا. ولكن رب العالمين قد ترك في الأرض علامات تدل على مرحلة من المراحل الثلاثة السابق ذكرها وهي التي أشار إليها القرآن في قوله تعالى: (( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ)). وعلم تلك المرحلة يعرفه علماء الجيولوجيا بكثير من التفصيل. وقد بدأت تلك المرحلة منذ بدأ تكوين أقدم الرواسي أى جبال الأرض, وما زالت تلك المرحلة مستمرة حتى اليوم. إنها ببساطة شديدة تستغرق فترة التاريخ الجيولوجى للأرض منذ أن تصلبت قشرتها حتى يومنا هذا.
والفكرة في تقدير عمر الأرض ببساطة تعتمد على معرفة تقدير عمر أقدم الرواسى والتي تمثل مرحلة من المراحل المتساوية الثلاثة. ومن ثم نضرب الرقم المقدر في ثلاثة لنحصل على عمر الكون. ومن المعروف لدى المتخصصين في علم الأرض أن الرواسي تحتوى على أقدم صخور قشرة الأرض, وأنها تمثل الأساس الذي أقيمت عليه عجائب الأرض. وقد استخدمت حديثاً بلورات معدن الزيركون التي جمعت من غرب استراليا في تقدير أقدم أعمار صخور الرواسى. وتم تقدير هذا العمر ب 4,4 بليون سنة. وبناء على ذلك فإن أقل عمر للأرض هو 4.4X3==13.2بليون سنة+عمر فترة ما قبل التاريخ الجيولوجي والمقدرة بحوالى 0.8 بليون سنة.
إذن عمر الكون في ضوء عمر أقدم الرواسي المقدرة اليوم=13.2+3×0.2=13.6 بليون سنة, بمعنى ثلاثة أضعاف عمر الأرض. والآن نقارن القيمة المقدرة علمياً الواردة بالنص التالي:
How old is the Universe?
Until recently, astronomers estimated that the Big Bang occurred between 12 and 14 billion years ago, but the most widely accepted age is around 15 billion years, or about three times older than the earth. Astronomers continue to refine their estimates as new observations produce new data. Astronomers estimate the age of the universe in two ways: 1) by looking for the oldest stars; and 2) by measuring the rate of expansion of the universe and the expansion rate tell them how long the galaxies have been traveling since the big bang, and thus provide a rough age for the Universe.
الحقيقة السادسة: حبك السماء
The Sixth Principle: "Hobbok" (Subtle ripples) of the heaven:
{وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ }الذاريات7
حبك السماء سر الكون:
(( قد يستطيع العلماء قريباً إلقاء نظرة خاطفة على بدايات الكون، وذلك بدراسة التموجات الدقيقة (Subtle ripples ) التي تحدثها موجات تثاقلية (شكل: 9). وأصبحت تلك التموجات الوسيلة لفك رموز علم الكون)).(عن مجلة علوم أمريكا)
Scientists may soon glimpse the universe's beginnings by studying the subtle ripples made by gravitational waves
أدركت أن وراء القسم بحبك السماء سر عظيم, وتأكد لدي هذا الإدراك بعد أن وجدت التطابق بين آراء علماء الكون عن تموجات خلفية الكون وأراء المفسرين عن حبك السماء.
خلاصة أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ } الذاريات
الحبك: قَالَ الضَّحَّاك: ذَات الطَّرَائِق; يُقَال لِمَا تَرَاهُ فِي الْمَاء وَالرَّمْل إِذَا أَصَابَتْهُ الرِّيح حُبُك. وَنَحْوه قَوْل الْفَرَّاء قَالَ: الْحُبُك تَكَسُّر كُلّ شَيْء كَالرَّمْلِ إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيح السَّاكِنَة، وَالْمَاء الْقَائِم إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيح, وَدِرْع الْحَدِيد لَهَا حُبُك, وَالشَّعْرَة الْجَعْدَة تَكَسُّرهَا حُبُك. وَفِي حَدِيث الدَّجَّال: أَنَّ شَعْره حُبُك.
قَالَ زُهَيْر :
مُكَلَّل بِأُصُولِ النَّجْم تَنْسِجهُ رِيح خَرِيق لِضَاحِي مَائِهِ حُبُكُ... وَلَكِنَّهَا تَبْعُد مِنْ الْعِبَاد فَلَا يَرَوْنَهَا
وقال الضحّاك: الرمل والزرع إذا ضربته الريح فينسج, ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء، وهو قول مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير بعضه بعضاً طرائق طرائق، فذلك الحبك.
وعن أبي صالح {ذات الحبك} الشدة.
وقال خصيف {ذات الحبك} ذات الصفاقة.
وقال الحسن البصري: {ذات الحبك} حبكت بالنجوم. وقال عبد اللّه بن عمرو {والسماء ذات الحبك} يعني السماء السابعة. وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء، كما قال ابن عباس رضي اللّه عنهما فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة، شديدة البناء، متسعة الأرجاء، أنيقة البهاء، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات، موشحة بالكواكب الزاهرات. الحبك جمع الحباك ، كالكتب جمع كتاب، تستعمل تارة في الطرائق، كالطرائق التي ترى في السماء، وأُخرى في الشعر المجعد، وثالثة في حسن أثر الصنعة في الشيء واستوائه.
قال الراغب: (والسَّماء ذات الحبك) أي ذات الطرائق، فمن الناس من تصور منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة. ولعلّ المراد منه هو المعنى الاَوّل أي السماء ذات الطرائق المختلفة، ويوَيده جواب القسم، وهو اختلاف الناس وتشتت طرائقهم، كما في قوله: (إنّكم لفي قول مختلف) ،و ربما يحتمل أنّ المراد هو المعنى الثالث أي أقسم بالسماء ذات الحسن والزينة، نظير قوله تعالى: (إِنّا زَيَّنا السَّماءَ الدُّنيا بزِينةٍ الكَواكِب) ولكنه لا يناسبه الجواب، إذ لا يصحّ أن يحلف حالف بالاَمواج الجميلة التي ترتسم بالسحب أو بالمجرّات العظيمة التي تبدو كأنّها تجاعيد الشعر على صفحة السماء، ثمّ يقول: (إِنّكم لفي قول مختلف)، أي إنّكم متناقضون في الكلام.
اكتشاف حبك السماء:
في عام 1993, رصد القمر الصناعي كوب (COBE Satellite) تموجات دقيقة في إشعاع خلفية الكون, وتلك التموجات تمثل بقايا السجلات القديم الدالة على عدم انتظام المادة الأصلية عند ولادة الكون. وقد تم تكبير تلك التموجات خلال السنين العشر الأخيرة من تاريخ الكون بفعل جاذبية المادة المعتمة. ويعتقد أن تلك التذبذبات الهينة هى المسؤولة عن نشأة بنيات عديدة غنية تظهر اليوم في مسح المجرات.
ولا يسعني إلا أن أسجل فخري واعتزازي بعلم بعض مفسري القرآن الكريم بعد أن جاء من بعدهم من علماء الكون والفلك بمئات السنين ليرددوا حرفياً ما قالوه. إن هولاء المفسرين العلماء قالوا كما أسلفت عن تفسير الْحُبُك: أنها تَكَسُّر كُلّ شَيْء كَالرَّمْلِ إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيح السَّاكِنَة, وَالْمَاء الْقَائِم إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيح, وَدِرْع الْحَدِيد لَهَا حُبُك, وَالشَّعْرَة الْجَعْدَة تَكَسُّرهَا حُبُك. ولننظر إلى التوافق العجيب بين قولهم وقول العلماء في وصف تذبذبات خلفية الكون (Subtle ripples) بأنها تشبه الأمواج الناتجة من جراء إلقاء حصاة في حمام سباحة, وتلك نص مقالتهم باللغة الإنجليزية:
(("subtle ripples" detected nowadays in the sky; they said that they are similar to sending out waves very much like the ripples in a pond when you throw in a pebble,")).
ورحم الله البعض من المفسرين الذين استبعدو أن يحلف حالف بالأمواج الجميلة التي ترتسم بالسحب أو بالمجرّات العظيمة التي تبدو كأنّها تجاعيد الشعر على صفحة السماء. ولكن العلماء الأمريكان يقولون: (( قد يستطيع العلماء قريباً إلقاء نظرة خاطفة على بدايات الكون، وذلك بدراسة التموجات الدقيقة (Subtle ripples ) التي تحدثها موجات تثاقلية (شكل:8-9). وأصبحت تلك التموجات الوسيلة لفك رموز علم الكون)). وما التموجات الدقيقة تلك إلا مفتاح من مفاتح حبك السماء. وحينما نقارن خرائط السماء التي ترسم بالموجات السابق ذكرها ندرك عظمة قول المفسرين عن الحبك في قولهم الحبك جمع الحباك ، كالكتب جمع كتاب، تستعمل تارة في الطرائق، كالطرائق التي ترى في السماء، وأُخرى في الشعر المجعد، وثالثة في حسن أثر الصنعة في الشيء واستوائه.
شكل(: تترك البقايا المحفوظة في الإشعاع االناتجة عن موجات جاذبية فترة التضخم الأعظم بصمات واضحة في موجات سى إم بي (أنظر النص الأجنبى).(عن كالدويل و كاميونكوفسكى. أصداء من الانفجار الأعظم. مجلة العلوم-المجلد17-العدد 10-2001- ص.37).
RELIC IN THE RADIATION Inflationary gravitational waves would have left a distinctive imprint on the CMB. The diagram here depicts the simulated temperature variations and polarization patterns that would result from the distor Ripples at the Edge of the UniverseThe Cosmic Background Explorer satellite was launched twenty five years after the discovery of the microwave background radiation in 1964. In spectacular fashion in 1992, the COBE team announces that they had discovered `ripples at the edge of the universe', that is, the first sign of primordial fluctuations at 100,000 years after the Big Bang. These are the imprint of the seeds of galaxy formation.
والتموجات الدقيقة, هي تذبذبات طفيفة في إشعاعات خلفية الكون الميكرويفية, التي تتسلل بحذق في الكون كما تشير إلى ذلك الكلمة الإنجليزية (subtle ripples) . هذا وقد اكتشفت موجات CMB سنة 1965 عن طريق مركب الفضاء كوب ( COBE). ويرى العلماء أنها تولدت من موجات جاذبية عاتية تراوح طولها الموجي من واحد سنتيمتر حتى 1023 (واحد أمامه 23 صفراً ) كيلو متر أثناء التضخم الكوني ( التضخم يعبر عنه بلغة القرآن كلمة " ففتقناهما "). وقد سادت تلك الموجات العاتية الكون قرابة نصف مليون سنة بعد لحظة الانفجار الأعظم (شكل:9). وقد أحدثت تلك الموجات العاتية للثقالة (للجاذبية) تشوهات في مادة الكون الأولى (الحساء الكوني ), أدت إلى تكوين بنيات كبيرة الحجوم من المجرات وحشود المجرات الموجودة في عالمنا الحالي.
هذا كشف قرآني عجيب, لعل من يحققه عند أو بعد طبع تلك الكلمات بقليل يحصل على جائزة نوبل لاكتشافه حبك السماء. ومن يرجع إلى كتب التفسيرسيجد أن الحبك في قوله تعالى وهو يقسم: وذات الشدة، وذات المجرة، فكما ذكر فإن بُنْيات السماء أصلها التموجات. ولفظ الحبك لفظ جامع وشامل لكل تموجات